اجتثاث الأرض والذاكرة والهوية
تفاصيل الانتهاك:
شهدت قرية المغير الواقعة إلى الشمال الشرقي من مدينة رام الله منذ صباح يوم الأحد الموافق 24/8/2025م اعتداءً صارخاً غير مسبوق نفذه المستعمرون على أراضي القرية، حيث يأتي هذا الاعتداء بالتزامن مع اقتراب موسم الزيتون لعام 2025م، وقد طال هذا الاعتداء ما يزيد على 10,000 شجرة زيتون ولوزيات على مساحة 350 دونم.
يذكر أن المستعمرين، كخطوة تأتي من أجل فتح الطريق أمام زحف استعماري مدروس، قد استهدفوا الأراضي الزراعية في القرية، فالمغير وتحديداً سهلها الشرقي، يشكل الحاجز الطبيعي بين البؤر الاستعمارية المتناثرة بين ثنايا أراضيها الواسعة وبين تشكيل حلقة وصل تربطها ببعضها البعض، لذلك جرى استهداف هذا السهل بالكامل ليمهّد إلى فرض السيطرة على قطاعات شاسعة من الأراضي لإنشاء بؤر استعمارية جديدة وربطها ببعضها البعض.
ولتنفيذ هذا المخطط، قام المستعمرون وتحت حراسة جيش الاحتلال بتنفيذ أعمال تجريف واسعة شملت حقولاً كاملة للزيتون جرى تجريفها في مناطق "الحجار" و"المزرعة" و"الرفيد" و"المغتمة" على أطراف الطريق الالتفافي الاستعماري المعروف بطريق "ألون" الاستعماري الذي يخترق أراضي القرية ويفصلها عن بعضها البعض.
يذكر أن ما قام به المستعمرون جاء دون أي إنذار سابق وتحت حراسة وإشراف جيش الاحتلال، حيث ساهمت تسع جرافات مدنية تابعة لهم على مدار ثلاثة أيام في تجريف هذا السهل الذي كان ينبض بالحياة بشكل يندى له الجبين، وتحول المشهد اليوم إلى صحراء من الجذوع المقتلعة، لتتحول حياة مئات العائلات إلى انتظار فارغ بعدما كانت تتأمل موسم القطاف القادم ليكون ركيزة دخلها.
المزارع مرزوق عوض أبو نعيم، رئيس اللجنة الزراعية في قرية المغير، تحدث بمرارة كبيرة عمّا جرى، حيث أفاد:
"قسماً كبيراً من أشجار الزيتون قام والدي رحمه الله بزراعته منذ كنت طفلاً صغيراً، وقسم آخر قبل ولادتي بسنوات، أذكر أن هذا الزيتون منذ طفولتي كان مصدراً مهماً لنا ولعائلتنا في توفير زيت الزيتون، وكنت بشكل يومي أتواجد بين الأشجار ولي بها ذكريات كثيرة، أغلب تلك الأشجار معمّرة عمرها يتجاوز المئة عام، وبعضها أعيد تجديده في العقود الأخيرة. لكن خلال اقتحام استمر ثلاثة أيام فقط، جرف المستعمرون آلاف الأشجار في تلك القطع، وأغلقوا الطرق المؤدية لقطع أخرى بحيث لا يمكن الوصول إليها".
ويضيف في حديثه وبكل حزن:
"إحنا كنا ننتظر موسم الزيتون مثل الناس التي تنتظر راتب السنة، الزيت اللي ننتجه كنا نبيعه، وكل عائلة تعتاش منه، وكان يعتبر موسماً جيداً ممكن يجيب 30 أو 40 تنكة زيت، كل تنكة تنباع بـ 400 شيكل... واليوم راح الموسم، وراح التعب، وراح مصدر دخل العيلة".
من جهته أفاد الأستاذ فرج النعسان، وهو من سكان قرية المغير ومدير سابق في الارتباط المدني الفلسطيني، بالقول:
"ما جرى في سهل المغير لم يكن حادثاً طارئاً، بل فصل جديد من سياسة ممنهجة هدفها تفريغ الأرض من أصحابها لصالح مشروع استيطاني استعماري متسارع، الأشجار التي اقتلعت ليست حديثة الغرس، بل أشجار معمّرة يزيد عمر معظمها عن مئة عام، تنتج زيتاً وزيتوناً يعتبران مصدر دخل رئيسياً لنحو 80% من أهالي القرية".
ونوّه النعسان بالقول:
"حتى أعضاء في الكنيست –البرلمان الاسرائيلي- شاركوا في اقتلاع الأشجار، الأمر يتم بغطاء سياسي وعسكري كامل، في العام الماضي نصب المتطرف بن غفير خيمته على المدخل الشرقي للمغير، وأخذ يحرض المستعمرين على مهاجمة القرية، مطالباً بترحيل سكانها وهدم وتجريف كل البيوت والأراضي".
تجدر الإشارة إلى أن ما جرى في قرية المغير هو فعلياً تدمير بيئي، وتدمير اقتصادي، وتضييق ممنهج، حيث توجد آلاف الدونمات منذ السابع من أكتوبر لم يستطع المزارعون الوصول إليها.
قرية المغير:
تقع قرية المغير إلى الشمال الشرقي من مدينة رام الله تحديداً على بعد 30 كم عن المدينة، حيث يبلغ عدد سكان القرية حوالي 2872 نسمة حتى عام 2017م – حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2017م، وتقع معظم أراضي قرية المغير في الجهة الشرقية من القرية وتصل حتى حدود نهر الأردن، وتبلغ مساحتها الإجمالية 33,055 دونم منها 501 دونم عبارة عن مسطح بناء للقرية.
وصادر الاحتلال من أراضيها لصالح الطريق الالتفافي رقم 458 أكثر من 37 دونماً. هذا وتشكل المناطق المصنفة C حسب اتفاق أوسلو للقرية 95% تحت سيطرة الاحتلال بالكامل، بينما 5% فقط تشكل منطقة مصنفة “ب “، وتبلغ مساحتها:
إن ما تعرضت له قرية المغير من اقتلاعٍ لأكثر من 10,000 شجرة زيتون ولوزيات وتجريف ما يزيد عن 350 دونم من أراضيها الزراعية، لا يُعد فقط اعتداءً على سُبل عيش المواطنين، بل هو أيضًا ضربة قاسية للبيئة الفلسطينية ذات الأثر البعيد والعميق، ومن أبرز التأثيرات:
وفي الختام:
إنّ هذا الاعتداء يُضاف إلى سلسلة طويلة من الانتهاكات البيئية التي ترتكبها سلطات الاحتلال والمستعمرون في الأراضي الفلسطينية، ويؤكد وجود سياسة ممنهجة لتدمير البيئة الطبيعية الفلسطينية، وإعادة تشكيلها قسرًا لصالح مشاريع استعمارية توسعية، ما يستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا لحماية ما تبقّى من هذه البيئة المهددة.
التعقيب القانوني:
إن البيئة الفلسطينية عامةً تتعرض لانتهاكات بيئية عديدة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ضاربة بعرض الحائط كافة القوانين والأعراف الدولية والوطنية المتعلقة بحماية الحقوق البيئية، وإن الحق بالعيش في بيئة نظيفة وسليمة هو حق لصيق بالإنسان منذ الخليقة. ودائماً ما يحاول الاحتلال الظهور بمظهر الحريص على الشؤون الدولية البيئية على الرغم من توقيعها على اتفاقيات كبرى لحماية البيئة أبرزها اتفاقية بازل عام1989م واتفاقية روتردام عام2008م واتفاقية ستوكهولم2001م واتفاقية رامسار عام 1971م، وكذلك مواثيق جودة الهواء والمناخ ورغم ذلك تقوم بانتهاك جميع هذه المعاهدات دون محاسبة أو مراقبة.
بالإضافة إلى النصوص الخاصة بحق التمتع ببيئة نظيفة وسليمة لكل من يقع تحت الاحتلال العسكري بحسب القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية، كالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون الأول / ديسمبر 1966 في المادة (1) البند (2): "...لجميع الشعوب، سعياً وراء أهدافها الخاصة، التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية دونما إخلال بأية التزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة وعن القانون الدولي. ولا يجوز في أية حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة...".
ومما لا شك فيه أن الاعتداءات التي يقوم بها الجانب الإسرائيلي تخالف قوانين "دولة الاحتلال" قبل غيرها من القوانين، وبالرجوع إلى تفاصيل هذه الحالة نجد أن قانون العقوبات الإسرائيلي لعام 1977م وتعديلاته قد نص على أن التعدي على ممتلكات الغير لارتكاب جريمة فعل معاقب عليه بالقانون، وبقراءة المادة 452 من قانون العقوبات الإسرائيلي نجد أن القانون يخالف من يرتكب اعتداءً أو ضرراً للممتلكات سواء ( بئر ماء، بركة ماء، سد، جدار أو بوابة فيضان بركة، أو أشجار مزروعة، جسر، خزان أو صهريج ماء) يعاقب بالسجن عليه خمس سنوات.
كما أن المادة 447 من قانون العقوبات الاسرائيلي نصت على أنه:" من فعل أي من ذلك بقصد ترهيب مالك عقار أو إهانته أو مضايقته أو ارتكاب جريمة، عقوبته السجن سنتين:
(1) يدخل أو يعبر العقار؛ (2) بعد دخوله العقار بشكل قانوني، بقي هناك بشكل غير قانوني.
(ب) تُرتكب جريمة بموجب هذا القسم عندما يحمل الجاني سلاحًا ناريًا أو سلاحًا باردًا، عقوبته هي السجن أربع سنوات".
وبقراءة نص المادتين نجد بأن قانون العقوبات الإسرائيلي جرم مجرد دخول أي شخص بدون وجه حق إلى عقار ليس بعقاره بهدف الإهانة أو المضايقة أو الترهيب ويعاقب على ذلك الفعل سنتين، وتتضاعف العقوبة عندما يدخل المعتدي ويرتكب جريمة في عقار غيره باستخدام سلاح أو أداة حادة أو حتى الاعتداء الأراضي الزراعية من قطع وحرق وتخريب، وهذا ما تم تجريمه صراحةً في نص المادة 447 من قانون العقوبات الإسرائيلي آنف الذكر، كما يعاقب 5 سنوات لمن يتسبب بضرر للممتلكات المذكورة في المادة 452 وعليه فإن المعتدي " المستعمر" يجب أن تكون مخالفته مضاعفة الأولى بالدخول لعقار ليس بعقاره والثانية بالتعدي على الأشجار المزروعة وقطعها مما تسبب بضرر بيئي.
وعليه فإن المعتدي الإسرائيلي يخالف دون أي وجه حق ما جاء في القوانين والمعاهدات الدولية، وما جاء أيضاً في قوانين "دولته" الداخلية مخالفةً صريحة، وعليه لا بد على "القضاء الإسرائيلي" محاسبة ومعاقبة المستعمرين على هذه الأفعال بموجب نصوص قوانينهم وما جاء فيها. إلا أنه لا يوجد أي مسائلة قانونية للمعتدي من قبل القضاء الإسرائيلي. ولكن هذا لا ينفي حق أي إنسان على هذه الأرض أن يعيش في بيئة نظيفة وسليمة وآمنة من أي انتهاك واعتداء ضدها.
آثار تجريف آلاف الأشجار على مئات الدونمات في المغير